التخطي إلى المحتوى

العالمي : بالبلدي: لم يكن أعمى

العالمي : بالبلدي: لم يكن أعمى





belbalady.net اليوم ذكرى رحيل أنبه عقول مصر، طه حسين الذي رأى، في الثامن والعشرين من أكتوبر سنة 1973، وحيث كان الناس  ذاهلين عن كل شىء، ومنغمسين في الجبهة وأخبارها وهبة الجيش الذي عبر وانطلق لاسترداد الأرض السليبة، أغمض طه حسين عينين صاحيتين، معلنًا الرحيل، بعد عقود من التأمل والتفكر والشك والافتراض والسعي والطرح والافتراض والتعمق.

تبدو معجزة طه حسين لدى البعض، كونه كفيفًا لا يرى، لكنه تعلّم ونبغ، وصار أستاذًا أكاديميًا له مؤلفات وتلاميذ. لكن الحقيقة أن البطولة الحقيقة ليست لشخص قهر الإعاقة، بقدر ما هي لإنسان أبصر ما لم يبصره مَن هُم حوله. فكر بطريقة مختلفة، وخالف القطيع، وكسر قواعد وسياقات مجتمعه، وتمرد على قوانين التفكير في بلده، رفض المشايعة والتقليد، ونثر بذور المباداة وطرح الأفكار. 

يظن ألف ظان أن طه حسين عظيم لأنه الوزير الوحيد في تاريخ مصر الذي توزر رغم أنه خسر نعمة البصر. لكن في الحقيقة، فإن جمال وروعة وعبقرية «حسين» هي أنه لم يبذل في سبيل منصب الوزير تذللا أو خضوعًا، ولم يشايع سدنة المؤسسات الدينية، ولم يقبل بنفاق الشارع تحت مصطلح «السياسة» تذلفًا وإرضاءً. قال الرجل ما يؤمن به، وانتصر بعقله على نقولات الجهلاء، وموروثات أصحاب المسابح واللحى، الذين أقاموا حواجز من التخويف والتخوين أمام كل مَن استخدم عقله.

 كان طرح طه حسين لفكرة الشك هو أولى خطوات الإصلاح والتيقن، ففي تصوره فإنه يجب (ويجب هنا تعني يجب) أن نشك في كل كلام منقول، ونُخضع  كافة الأمور لمعيار المنطقية والمنفعة بعيدا عن القولبة الحزبية، أو الفئوية، أو التحيزات لعين وصاد وسين.

مبكرًا ومبكرًا جدًا أطلق الرجل دعواه لإصلاح مصر قبل ما يقارب القرن، لكن صراعات الكراسي، والمكاسب، والسلطة حالت دون تنفيذ مشروعه، الذي كان يتبنى إصلاح العقل المصري، وربطه بالعلم والمعرفة، ومنحه التعددية والقدرة على استيعاب كافة الآراء المخالفة، وتحرره من التعصب الديني والمجتمعي. 

إن تحليل كتابات الرجل ودراستها واعادة نشرها يدفعنا أيضًا أن نجدد مناهج التفكير في جامعاتنا لنفكر مرة أخرى في قوالب صماء تغلّف عقولنا وتحجب الرؤية عن مؤسساتنا وتحتم علينا إعادة انتاج التخلف مرات ومرات. 

نحن في حاجة لمطاردة المعرفة والانتصار للعلم وإعلاء قيم التفكير والابتكار وتقبل الآخر والتسامح والقبول بالتعددية والسعي لاستقراء القادم ومقاربة الحداثة.

يبدو الشاعر محمود درويش حيًا ويقظًا بما كتبه عندما يطل علينا ببيت شعر رائع يصلح للتعليق على عقل طه حسين وقيمته. صحيح أنه كتبه عن أبي العلاء المعري، لكنه يصلح أيضًا لعملاق مصر المبصر طه حسين. يقول «درويش» على لسان «المعري» مخاطبًا جحافل الجهلة والسائرين في القطيع «لست أعمى لأبصر ما تبصرون.. فإن البصيرة نورٌ، يؤدي إلى عدمٍ أو جنون».

والله أعلم.

 

 HYPERLINK «mailto:[email protected]» [email protected]


إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

“جميع الحقوق محفوظة لأصحابها”

المصدر :” الوفد “





العالمي : بالبلدي: لم يكن أعمى

مصدر الخبر

الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول الان جول